Skip to main content

في الوضع الأمني الحالي، تتوقف قدرة أوروبا على الدفاع عن نفسها على إنشاء صناعة دفاع أوروبية. ومع ذلك، تواجه سوق الدفاع في الاتحاد الأوروبي حالة من التفكك، والتي تتميز بالتعاون المحدود بين الدول الأعضاء. ويفرض هذا النقصان في التعاون تحديات كبيرة أمام طموح أوروبا لتحقيق الاستقلال الاستراتيجي والمكانة المتساوية مع الولايات المتحدة في المسائل الأمنية والدفاعية.

ان الوضع الحالي لسوق الدفاع في الاتحاد الأوروبي يُظهر تعاونًا محدودًا، مما دفع الدول الأعضاء إلى متابعة مشاريع دفاعية واستراتيجيات شراء فردية. ويؤدي هذا النهج المنقسم إلى التفكك وقلة الكفاءة، وزيادة التكاليف. ومن الضروري وضع استراتيجية موحدة وذلك من أجل تعزيز مكانة الاتحاد الأوروبي باعتباره جهة مؤثرة في مجال الأمن العالمي. حيث ان من شأن هذا النهج تجميع الموارد والقدرات، وتعزيز القدرات الدفاعية والاستقلال الاستراتيجي.

ولقد اتخذ الاتحاد الأوروبي خطوات مهمة نحو توحيد الصناعة الدفاعية لمواجهة التحديات التي يفرضها الانقسام، ولتعزيز قدراته العسكرية الجماعية. وتبين المبادرات المختلفة مثل مرفق السلام الأوروبي (EPF) وقانون دعم إنتاج الذخيرة (ASAP) التزام الاتحاد الأوروبي بدعم التعاون في مجال الإنتاج العسكري لتحقيق المزيد من الاستقلالية والتغلب على نقص الإمدادات. علاوة على ذلك، فلقد قادت وكالة الدفاع الأوروبية الطريق وقامت بالتنسيق لشراء الإمدادات العسكرية بين 24 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي والنرويج، وتسهيل شراء ذخيرة مدفعية عيار 155 ملم لتعزيز قدرات الجيش الأوكراني.

ومع ذلك، فإن المعايير المختلفة واللوائح وطريقة إصدار شهادات الاعتماد المتنوعة عبر الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تخلق عقبات أمام التعاون عبر الحدود في مجال الدفاع. علاوة على ذلك، فإن الاعتماد على الموردين غير الأوروبيين للحصول على تقنيات الدفاع المهمة يشكل أخطار أمنية.

وفي هذا الصدد، أوضح رئيس الوزراء البولندي ماتيوس مورافيتسكي مؤخرًا أن بولندا تسعى إلى تعميق التعاون مع صناعة الدفاع الأمريكية: ″تريد بولندا بناء أقوى جيش في أوروبا. ولهذا السبب نريد التعاون مع صناعة الدفاع الأكثر تقدما في العالم، وهي الصناعة الأمريكية. ″ وبالإضافة إلى تفضيل بولندا للتعاون مع صناعة الدفاع الأمريكية، فقد قامت بولندا أيضًا بعقد صفقات فردية مع دول أخرى من خارج الاتحاد الأوروبي، مما ساهم في تفتيت سوق الدفاع في الاتحاد الأوروبي والتماسك الأمني للاتحاد الأوروبي.

ويعد أحد الأمثلة البارزة هو صفقة الدبابات الأخيرة بين بولندا وجمهورية كوريا. حيث أبرمت بولندا اتفاقية مهمة لشراء 120 دبابة قتالية من طراز K-2  من إنتاج جمهورية كوريا وإنشاء خط إنتاج في بولندا لتصنيع 800 وحدة إضافية لقواتها المسلحة. وبدلاً من التعاون مع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، فإن اختيار بولندا للدخول في مثل هذه الصفقة الدفاعية المهمة مع شريك من خارج الاتحاد الأوروبي يسلط الضوء على التفكك السائد داخل سوق الدفاع في الاتحاد الأوروبي.

وعلاوة على ذلك، فان غياب المشتريات الموحدة يؤدي إلى اختلافات في القوة العسكرية بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، حيث تمتلك بعض الدول قدرات تكنولوجية متقدمة والبعض الآخر يتخلف عن الركب. ويظهر النهج الذي يتبعه الاتحاد الأوروبي في الحصول على الطائرات المقاتلة هذا التفاوت. وحاليًا في سوق الاتحاد الأوروبي، تتنافس ثلاثة أنواع من الطائرات المقاتلة الأوروبية مع الطائرة الأمريكية  F-35، ولكن تختار معظم الدول الأوروبية الطائرة الامريكية. وهذه الصعوبة في الاجتماع على طائرة مقاتلة مشتركة يجعل من العسير الاستجابة بشكل جماعي للتهديدات الأمنية ويضعف موقف الاتحاد الأوروبي على الساحة العالمية. لذلك يجب على المرء أن يسأل: ″من هو المستفيد″؟

ومن شأن استراتيجية الشراء الموحدة أن توفر حلاً لهذه التحديات. حيث انه من خلال تنسيق المعايير وتقليل الأشياء قليلة الاهمية، يستطيع الاتحاد الأوروبي تحسين ميزانيات الدفاع، وتعزيز قوته التفاوضية، وتعزيز الصناعة الأوروبية في مجال الدفاع. ووسط هذا التفكك في السوق، دافع بعض الزعماء الأوروبيين، مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عن فكرة الامن الأوروبي المستقل وأوروبا القوية. وقد اكد ماكرون في خطابه في معهد نيكزس في لاهاي، في أبريل 2023، على ضرورة الدفاع عن السيادة الأوروبية والحفاظ عليها ووضع خارطة طريق لمذهب الأمن الاقتصادي الشامل للاتحاد الأوروبي. وتتضمن رؤيته لأوروبا صناعة دفاعية موحدة تسمح للاتحاد الأوروبي باتخاذ قرارات مستقلة وتحديد سياساته الخارجية والأمنية.

ولمواجهة هذه التحديات وتحقيق الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي، فإن التعاون الوثيق والمشاريع المشتركة بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أمر ضروري. ويهدف الاتحاد الأوروبي إلى تحسين التقارب في شراء الأسلحة من خلال آليات مثل قانون تعزيز صناعة الدفاع الأوروبية من خلال قانون المشتريات المشتركة (EDIRPA)، والذي يعترف بالحاجة إلى نظام مشتريات موحد يعمل على تمكين المشتريات المشتركة وتعزيز اقتصاديات الحجم لخفض التكاليف وتعزيز قابلية التشغيل البيني.

ومع ذلك، فإن تنفيذ مثل هذه المبادرات أمر معقد، ويتطلب التعامل المنضبط مع المصالح الوطنية والمخاوف الأمنية. وقد يستلزم التوحيد الامدادات خسارة بعض الدول الأعضاء لقدرات وفوائد صناعية دفاعية معينة، ولكن هذه الخطوة ضرورية لتعزيز الردع والقدرات الدفاعية الأوروبية، وتعزيز الاستقلال الذاتي على المستوى الأوروبي. ويعد التخطيط الدفاعي المنسق أمرًا حيويًا لضمان تطوير القدرات العسكرية والحفاظ عليها بطريقة متكاملة وفعالة.

وأخيرا، من الممكن أن يؤدي الاستثمار في مشاريع البحث والتطوير في مجال الدفاع على مستوى الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز الإبداع والقدرة التنافسية في المجال الصناعي للدفاع الأوروبي. ويتعين على الاتحاد الأوروبي أن يدعم نمو قاعدة صناعية دفاعية أوروبية قوية وقادرة على المنافسة من أجل تقليل الاعتماد على الموردين غير الأوروبيين.

سيتطلب ذلك ارادة سياسية والتزامًا من جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي للعمل معًا لتحقيق أهداف وسياسات دفاعية مشتركة لتحقيق تلك الأهداف. وهذا من شأنه أن يمكن الاتحاد الأوروبي من التغلب على التفكك وتعزيز قدراته الدفاعية، والتقدم نحو قدر أكبر من الاستقلال الاستراتيجي ووضع متساو مع القوى الأمنية العالمية الأخرى.

الصورة: لغز الاتحاد الأوروبي – أوشك على الانتهاء. © IMAGO / صور التصميم
WordPress Cookie Notice by Real Cookie Banner