Skip to main content

البروفيسور جون جيه ميرشايمر معروف بنظريته عن الواقعية الهجومية في العلاقات الدولية. وقد قام بتحليل الطلب الذي قدمته جنوب أفريقيا في 29 ديسمبر 2023 إلى محكمة العدل الدولية لحث محكمة العدل الدولية على التقرير بان إسرائيل قد قامت بانتهاك التزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948، واتهام الدولة اليهودية بارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة. ويبني البروفيسور ميرشايمر تحليله لقضية الإبادة الجماعية التي رفعتها محكمة العدل الدولية على ما يلي: 1) وحشية جيش الدفاع الإسرائيلي وقتله العشوائي للمدنيين الفلسطينيين في غزة؛ 2) نية الإبادة الجماعية لدى القيادة الإسرائيلية؛ و3) تواطؤ إدارة بايدن في هذه الإبادة الجماعية. البروفيسور ميرشايمر هو المؤلف المشارك لكتاب ″اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأمريكية″ المنشور في عام 2007، والذي أظهر القوة الاستثنائية لهذا اللوبي في السياسة الأمريكية.

أكتب إليكم للإشارة إلى وثيقة مهمة حقًا ينبغي توزيعها على نطاق واسع وقراءتها بعناية من قبل أي شخص مهتم بحرب غزة المستمرة.

على وجه التحديد، أشير إلى ″الطلب″ المكون من 84 صفحة الذي قدمته جنوب أفريقيا إلى محكمة العدل الدولية في 29 ديسمبر 2023، متهمة إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة (https://www.icj-cij.org/sites/default/files/case-related/192/192-20231228-app-01-00-en.pdf) وتؤكد في هذا الطلب على أن تصرفات إسرائيل منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر 2023 ″تهدف إلى تدمير جزء كبير من المجموعة الوطنية والعنصرية والإثنية الفلسطينية في قطاع غزة. ″(الصفحة رقم 1 من الطلب)  تتناسب هذه التهمة بشكل واضح مع تعريف الإبادة الجماعية في اتفاقية جنيف، التي وقعت عليها إسرائيل

(https://www.un.org/en/genocideprevention/documents/atrocity-crimes/Doc.1_Convention on the Prevention and Punishment of the Crime of Genocide.pdf)

ان هذا الطلب هو عبارة عن وصف رائع لما تفعله إسرائيل في غزة. فهو شامل، ومكتوب بشكل جيد، ومقنع بشكل جيد، وموثق بدقة. حيث ان هذا الطلب يتكون من ثلاثة مكونات رئيسية.

أولاً، يصف بالتفصيل الفظائع التي ألحقها جيش الدفاع الإسرائيلي بالفلسطينيين منذ 7 أكتوبر 2023، ويوضح اسباب وجود المزيد من الموت والدمار في انتظار الفلسطينيين.

ثانياً، يقدم الطلب مجموعة كبيرة من الأدلة التي تثبت أن القادة الإسرائيليين لديهم نية الإبادة الجماعية تجاه الفلسطينيين. (الصفحة رقم 59-69 من الطلب) والواقع أن تعليقات القادة الإسرائيليين – وجميعها موثقة بدقة – صادمة. ويتذكر المرء كيف كان يتحدث النازيون عن التعامل مع اليهود عندما يقرأ كيف يتحدث الإسرائيليون في ″المناصب العليا″ عن التعامل مع الفلسطينيين. (الصفحة رقم 59 من الطلب)  في الاساس، حيث يناقش الطلب تصرفات إسرائيل في غزة مقترنة بتصريحات قادتها، وتوضح أن السياسة الإسرائيلية ″محسوبة لتحقيق التدمير المادي للفلسطينيين في غزة . ″ (في الصفحة رقم 39 من الطلب)

ثالثاً، يبذل الطلب جهوداً كبيرة لوضع حرب غزة في سياق تاريخي أوسع، وتوضح أن إسرائيل تعامل الفلسطينيين في غزة وكأنهم حيوانات محبوسة في أقفاص منذ سنوات عديدة. ويقتبس الطلب من العديد من تقارير الأمم المتحدة التي تتناول بالتفصيل معاملة إسرائيل القاسية للفلسطينيين. وباختصار، فان الطلب أن ما فعله الإسرائيليون في غزة منذ 7 أكتوبر هو نسخة أكثر تطرفًا مما كانوا يفعلونه قبل 7 أكتوبر.

ليس هناك شك في أن العديد من الحقائق الموصوفة في الوثائق المقدمة من جنوب أفريقيا قد تم نشرها من قبل في وسائل الإعلام. لكن ما يجعل هذا الطلب في غاية الأهمية هو أنه يجمع كل تلك الحقائق معًا في مكان واحد ويقدم وصفًا شاملاً مدعوما بالأدلة للإبادة الجماعية الإسرائيلية. بمعنى آخر، ان هذا الطلب يقدم الصورة الكبيرة دون إهمال التفاصيل.

وليس من الغريب أن تصف الحكومة الإسرائيلية هذه الاتهامات بأنها ″تشهير بالدم″ و″ليس لها أي أساس واقعي وقضائي″. علاوة على ذلك، تدعي إسرائيل أن ″جنوب أفريقيا تتعاون مع جماعة إرهابية تدعو إلى تدمير دولة إسرائيل. ″ (https://www.timesofisrael.com/blood-libel-israel-slams-south-africa-for-filing-icj-genocide-motion-over-gaza-war/)) ومع ذلك، فإن القراءة الدقيقة للطلب تجعل ومن الواضح أنه لا أساس لهذه الادعاءات. وفي الواقع، فانه من الصعب أن نرى كيف ستتمكن إسرائيل من الدفاع عن نفسها بطريقة عقلانية وقانونية عندما تبدأ إجراءات المحاكمة. ففي نهاية المطاف، من الصعب الجدال حول الحقائق المستبدة.

واسمحوا لي أن أقدم بعض الملاحظات الإضافية فيما يتعلق بالتهم الموجهة إلى جنوب أفريقيا.

أولاً، تؤكد الوثائق المقدمة من جنوب افريقيا على أن الإبادة الجماعية تختلف عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية الأخرى، على الرغم من أنه ″غالباً ما يكون هناك ارتباط وثيق بين كل هذه الأفعال″.(الصفحة رقم 1 من الطلب)  فعلى سبيل المثال، يعد استهداف السكان المدنيين للمساعدة في كسب الحرب – كما حدث عندما قصفت بريطانيا والولايات المتحدة المدن الألمانية واليابانية في الحرب العالمية الثانية – جريمة حرب، ولكنها ليست إبادة جماعية حيث لم تكن بريطانيا والولايات المتحدة تحاولان تدمير ″جزء كبير″ من أو كل الناس في تلك الدول المستهدفة. إن التطهير العرقي المرتكز على العنف الانتقائي يشكل أيضاً جريمة حرب، رغم أنه لا يشكل أيضاً إبادة جماعية، وهو العمل الذي يطلق عليه عمر بارتوف، خبير المحرقة الإسرائيلي المولد، ″جريمة كل الجرائم″.(https://www.nytimes.com/2023/11/10/opinion/israel-gaza-genocide-war.html)

وللعلم، كنت أعتقد أن إسرائيل كانت مذنبة بارتكاب جرائم حرب خطيرة – ولكن ليس الإبادة الجماعية – خلال الشهرين الأولين من الحرب، على الرغم من وجود أدلة متزايدة على ما أسماه بارتوف ″نية الإبادة الجماعية″ من جانب القادة الإسرائيليين (https://mearsheimer.substack.com/p/death-and-destruction-in-gaza) لكن أصبح من الواضح بالنسبة لي بعد انتهاء الهدنة في 24-30 نوفمبر 2023 وعودة إسرائيل إلى الهجوم، أن القادة الإسرائيليين كانوا في الواقع يسعون إلى التخلص من جزء كبير من السكان الفلسطينيين في غزة.

ثانياً، على الرغم من أن طلب جنوب أفريقيا يركز على إسرائيل، إلا أن له آثاراً ضخمة على الولايات المتحدة، وخاصة الرئيس بايدن ومساعديه الرئيسيين. لماذا؟ لأنه ليس هناك شك في أن إدارة بايدن متواطئة في الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل، وهو عمل يعاقب عليه القانون أيضًا وفقًا لاتفاقية الإبادة الجماعية. وعلى الرغم من اعترافه بأن إسرائيل متورطة في ″قصف عشوائي″، فقد صرح الرئيس بايدن أيضًا قائلاً: ″لن نفعل شيئًا آخر غير حماية إسرائيل. لا شيء واحد″ (https://www.motherjones.com/politics/2023/12/how-joe-biden-became-americas-top-israel-hawk/)  لقد كان صادقًا في كلمته، وذهب إلى حد تجاوز الكونجرس مرتين لإيصال أسلحة إضافية إلى إسرائيل. وبغض النظر عن الآثار القانونية المترتبة على سلوكه، فإن اسم بايدن ــ واسم أميركا ــ سوف يرتبطان إلى الأبد، بما من المتوقع أن تكون، إحدى القضايا النموذجية لمحاولات الإبادة الجماعية.

ثالثاً، لم أتخيل قط أنني قد أرى اليوم الذي تتهم فيه إسرائيل، الدولة المليئة بالناجين من المحرقة وأحفادهم، بتهمة خطيرة  مثل ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية. وبغض النظر عن الكيفية التي ستسير بها هذه القضية في محكمة العدل الدولية – وأنا هنا على دراية كاملة بالمناورات التي ستستخدمها الولايات المتحدة وإسرائيل لتجنب المحاكمة العادلة – فسوف يُنظر إلى إسرائيل في المستقبل على نطاق واسع على أنها المسؤولة الرئيسية عن إحدى جرائم الإبادة الجماعية.

رابعاً، بؤكد الطلب المقدم من جنوب أفريقيا على أنه لا يوجد سبب للظن بأن هذه الإبادة الجماعية سوف تنتهي قريباً، ما لم تتدخل محكمة العدل الدولية. ويستشهد مرتين بكلمات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 25ديسمبر 2023 لتوضيح هذه النقطة: ″نحن لا نتوقف، نحن سنواصل القتال، وسنعمق القتال في الأيام المقبلة، وسيكون هذا طويلاً، المعركة ولم تقترب من نهايتها. ″(الصفحة رقم 8 و82 من الطلب) دعونا نأمل أن تتمكن جنوب أفريقيا والمحكمة المشتركة الدولية من وقف القتال، ولكن يجب الاخذ في الاعتبار ان قوة المحاكم الدولية في إكراه دول مثل إسرائيل والولايات المتحدة محدودة للغاية.

وأخيرا، فإن الولايات المتحدة دولة ديمقراطية ليبرالية مليئة بالمثقفين، ومحرري الصحف، وصناع السياسات، والنقاد، والعلماء الذين يعلنون بشكل روتيني عن التزامهم العميق بحماية حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم. إنهم يميلون إلى التحدث بصوت عالٍ عندما ترتكب الدول جرائم حرب، خاصة إذا كانت الولايات المتحدة أو أي من حلفائها متورطين. ولكن في حالة الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل، فإن معظم خبراء حقوق الإنسان في التيار الليبرالي السائد لم يذكروا إلا القليل عن تصرفات إسرائيل الوحشية في غزة أو خطاب الإبادة الجماعية الذي يتبناه قادتها. نأمل أن يشرحوا صمتهم المزعج في مرحلة ما. وبغض النظر عن ذلك، فإن التاريخ لن يكون لطيفا معهم، حيث أنهم لم ينطقوا بكلمة واحدة بينما كانت بلادهم متواطئة في جريمة فظيعة، ارتكبت في العلن على مرأى من الجميع.

https://mearsheimer.substack.com/p/genocide-in-gaza?utm_source=profile&utm_medium=reader2

الصورة: جون ميرشايمر © جون ميرشايمر و21 أكتوبر 2023: غزة، فلسطين. فلسطينيون ينتشلون جثث الأطفال الذين استشهدوا في قصف صاروخي إسرائيلي لسوق في مخيم النصيرات للاجئين الفلسطينيين، اليوم الأحد. ووردت أنباء عن سقوط عشرات القتلى والجرحى بعد القصف الذي يأتي في إطار عملية عسكرية إسرائيلية واسعة النطاق مستمرة في قطاع غزة. © إيماجو / زوما واير
WordPress Cookie Notice by Real Cookie Banner