الفنتانيل في خليج أمريكا يقتل الدلافين ويهدد النظام البيئي وصحة الإنسان

Daniella Vanova
2025/4/2
English version | French version | German version

يُعد خليج أمريكا (المعروف أيضًا باسم خليج المكسيك) نظامًا بيئيًا بحريًا حيويًا يزخر بالحياة البحرية المتنوعة، حيث يواجه هذا الخليج أزمة غير مسبوقة، مرتبطة بالآثار المدمرة لتلوث الفنتانيل. في السنوات الأخيرة، اكتشف العلماء آثارًا للفنتانيل في دهون الدلافين التي تسكن هذه المياه، مما دق ناقوس الخطر بشأن التأثير البعيد المدى للنفايات الدوائية البشرية على النظم البيئية البحرية. كان الخليج يُعرف سابقًا بتنوعه البيولوجي البحري المزدهر، ولكنه أصبح الآن موقعًا لكارثة بيئية، حيث تُمثل الدلافين مؤشرًا صارخًا على مخاطر التلوث بالمواد الأفيونية. ومرة أخرى، يُودي الفنتانيل بحياة البشر ويُدمرها.

إحدى عواقب أزمة الفنتانيل التي تواجه الولايات المتحدة، والتي تؤثر على العلاقات الأمريكية المكسيكية الكندية، هي التأثير الكبير لهذا الدواء على أعداد الدلافين. وهذا بدوره له تداعيات على كل من الأنواع المحيطية الأخرى وصحة الإنسان ككل.

الفنتانيل مادة أفيونية اصطناعية، أقوى من المورفين بما يصل إلى 100 مرة، ويُستخدم على نطاق واسع في تسكين الألم. ولسوء الحظ، لا يقتصر وجوده على المستشفيات وأسواق المخدرات غير المشروعة، ولكن مؤخرا وجد طريقه إلى المحيطات. وذلك حيث كشفت دراسة حديثة أجرتها جامعة تكساس إيه آند إم – كوربوس كريستي والإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA) عن اثار مثيرة للقلق للفنتانيل لدى دلافين قارورية الأنف في خليج أمريكا. من بين 89 دلفينًا خضعت للاختبار، وُجد أن 24 منها تحمل مستويات قابلة للكشف من الفنتانيل، مما يشير إلى انتشار التلوث على نطاق واسع.

ولكن كيف يدخل الفنتانيل إلى النظم البيئية البحرية؟ يُعد تصريف مياه الصرف الصحي أحد الأسباب الرئيسية لذلك. فالتخلص غير السليم من الأدوية وعمليات معالجة مياه الصرف الصحي غير الفعالة تسمح للمواد الأفيونية بالتسرب إلى الأنهار، وصولًا في النهاية إلى المحيط. بالإضافة إلى ذلك، أدت طرق الاتجار غير المشروع بالمخدرات على طول ساحل الخليج إلى إلقاء النفايات المتعلقة بالمخدرات في المجاري المائية. ويوجد حالة  اثارت القلق بشكل خاص، وهي وجود دولفين ميت تم العثور عليه في خليج بافن بولاية تكساس، بالقرب من منطقة وقعت فيها عملية كبيرة لضبط مخدر الفنتانيل السائل قبل أشهر، مما يشير إلى وجود صلة مباشرة بين الأنشطة البشرية والتلوث البحري.

الدلافين، كونها من أكثر الحيوانات المفترسة في بيئتها، معرضة بشكل خاص للتراكم الحيوي – وهي العملية التي تتراكم بها السموم في جسم الكائن الحي بمرور الوقت. ولا تزال الآثار الفسيولوجية للفنتانيل على الدلافين قيد الدراسة، ولكن نظرًا لتأثيره على الجهاز العصبي البشري، يعتقد العلماء أن عواقبه قد تكون وخيمة. ومن بين تلك الآثار الصحية المعروفة التي تنشأ عن استهلاك الفنتانيل، حتى بجرعات صغيرة، والتي يشترك فيها البشر والدلافين: تثبيط الجهاز التنفسي والخمول؛ تغير السلوك؛ تثبيط الجهاز المناعي؛ مشاكل في الإنجاب.

أظهرت الدراسات أن تلوث أنواع أخرى بالفنتانيل أدى إلى مشاكل في الإنجاب، إذ يمكن أن يُخل بالتوازن الهرموني والدورة الإنجابية. إذا كان لدى الدلافين رد الفعل نفسه، فسنشهد انخفاضًا أكبر بكثير في أعدادها بمرور الوقت حتى بعد أزمة الفنتانيل.

لا تُهدد هذه الاضطرابات الفسيولوجية الدلافين الفردية فحسب، بل تُزعزع أيضًا استقرار الشبكة الغذائية البحرية. ويُعدّ تراجع أعداد الدلافين بمثابة إشارة تحذير للنظام البيئي الأوسع.

ويُعدّ وجود الفنتانيل في الدلافين جانبًا واحدًا فقط من مشكلة بيئية أكبر، ألا وهي التلوث الدوائي. وليست المواد الأفيونية هي الأدوية الوحيدة الموجودة في الحياة البحرية. فقد كشفت الدراسات أيضًا عن مضادات الاكتئاب والمضادات الحيوية وغيرها من المواد الصيدلانية في أنواع مختلفة من الأسماك والرخويات. وهذا يثير مخاوف كبيرة بشأن سلامة استهلاك المأكولات البحرية وتأثيرها على صحة الإنسان. فإذا تأثرت الدلافين، باعتبارها من الحيوانات المفترسة الرئيسية، فقد تتعرض الأسماك الصغيرة والكائنات البحرية الأخرى أيضًا لخطر التراكم البيولوجي.

ولسوء الحظ، لا يقتصر التلوث الدوائي على خليج أمريكا. فقد أظهرت الدراسات أنه تم العثور على آثار من المواد الأفيونية في الأنواع البحرية في مناطق مختلفة. ويعكس تزايد الفنتانيل في البيئات البحرية الحاجة الملحة لتطبيق أكثر حزم للوائح الصيدلانية فيما يتعلق بالتخلص من النفايات والمياه في مرافق المعالجة.

لا تتأثر الحياة البحرية بشكل كبير بتلوث الفنتانيل فحسب، بل يتأثر البشر أيضًا. وقد يكون أولئك الذين يستهلكون المأكولات البحرية بشكل متكرر من المياه الملوثة معرضين أيضًا لخطر التعرض للملوثات الضارة. ولا تزال الدراسات المتعلقة بالآثار الجانبية التي يسببها تناول المأكولات البحرية الملوثة على البشر قيد البحث.

ونظرًا لأن خليج أمريكا يحده ست ولايات مكسيكية يبلغ مجموع سكانها حوالي 20 مليون نسمة، فقد يكون لتلوث المياه تأثير كبير على صحة هذه المجتمعات إذا تسربت تلك الملوثات إلى إمدادات المياه. وفي حالة ما لم تتمكن محطات معالجة المياه التقليدية من تصفية المواد الأفيونية الاصطناعية والملوثات الأخرى، فقد تواجه المجتمعات التي تعتمد على هذه المياه خطرا طويل الأمد، مما قد يؤدي إلى عواقب صحية ضارة محتملة في المستقبل. وهذا وحده يجب أن يكون حافزًا كافيًا للحكومة المكسيكية لبذل كل ما في وسعها لمكافحة عصابات المخدرات في المكسيك.

تتطلب معالجة أزمة الفنتانيل في البيئات البحرية نهجًا متعدد الجوانب يشمل التدخل الحكومي والبحث العلمي والتوعية العامة. ويمكن أن يشمل هذا النهج: تحسين معالجة مياه الصرف الصحي؛ وتشديد لوائح التخلص من المخدرات؛ وزيادة الرصد والبحث؛ الدعوة العامة؛ ولعلّ الأهم هو شنّ حملة صارمة على الاتجار غير المشروع بالمخدرات.

إنّ الواقع المأساوي لنفوق الدلافين بسبب تلوثها بالفنتانيل في خليج أمريكا يُذكّرنا بالعواقب غير المقصودة للجهل البشري والنفايات الدوائية. وبصفتها من الحيوانات المفترسة الرئيسية، تعكس الدلافين الصحة العامة للنظم البيئية البحرية، وتُشير معاناتها إلى أزمة بيئية أوسع نطاقًا قد تُخلّف تداعيات طويلة الأمد على كلٍّ من الكائنات البحرية والبشرية. ان هنالك حاجة ماسة الى اتخاذ إجراءات عاجلة للحدّ من التلوث الدوائي، ووقف تجارة الفنتانيل غير المشروعة، وتحسين معالجة مياه الصرف الصحي، وزيادة الوعي العام بمخاطر المواد الأفيونية في البيئات المائية.